النوم . . . عبادة في عادة
النوم ... آية من آيات الله !
يقول الله تعالى : " وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ {23} "
ويقول جل في علاه : " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا {47} "
ويقول : " وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا "
المتأمل لهذه الايات يجد أنها جاءت في سياق الإنعام والإمتنان ، الأمر الذي يجعل المؤمن المتدبر يقف عند هذا الإمتنان وقفة إجلال لله وتعظيم ولعله أن يسأل ويبحث في عظيم منّة الله تعالى عليه بهذاالنوم .
إننا نقضي ثلث أعمارنا - تقريباً - في النوم . . !
لكن هل تأملنّا عظيم المنّة والنعمة فيه ؟!
إنه سؤال ينبغي أن لا يمرّ على كل ذي عقل وفطرة سليمة مرور الكرام !!
دون أن يبحث عن أسرار هذه النعمة ، وهوالأمر الذي يزيد المؤمن معرفة بربّه فيسموا به إيمانه ليحقق التعظيم اللائق بالله جل وتعالى .
لماذا النوم ؟
برغم أن الإنسان يقضي حوالي ثلث حياته نائماً، إلا أن الأكثرية لا يعرف الكثير عن النوم !
ولا يعرف لماذا ينام ؟!
هناك اعتقاد سائد بأن النوم عبارة عن خمول في وظائف الجسم الجسدية والعقلية يحتاجه الإنسان لتجديد نشاطه.
والواقع المثبت علمياً خلاف ذلك تماماً، حيث أنه :
- يحدث خلال النوم العديد من الأنشطة المعقدة على مستوى المخ والجسم بصفة عامة وليس كما يعتقد البعض. بل على العكس، فإن بعض الوظائف تكون أنشط خلال النوم كما أن بعض الأمراض تحدث خلال النوم فقط وتختفي مع استيقاظ المريض.
- خلال هذا الوقت الطويل تحدث العديد من التغيرات والوظائف العضوية الهامة للجسم من إعادة بناء لأنسجة الجسم وإفراز هرمونات وغيرها
- يحصل الكثير من أعضاء الجسم على راحته كالقلب والدماغ وغيرها.
- آلية النوم عملية معقدة ترتبط فيها مختلف الأعضاء ارتباطا وثيقا.
عندما يكون الإنسان مستيقظاً فإن المخ يكون لديه نشاطاً كهربائياً معيناً، ومع حلول النوم يبدأ هذا النشاط بالتغير .
فالنائم يمر خلال نومه بعدة مراحل من النوم لكل منها دورها. فهناك :
- المرحلة الأولى والثانية : ويكون النوم خلالهما خفيفاً ويبدآن مع بداية النوم.
- بعد ذلك تبدأ المرحلة الثالثة والرابعة : أو ما يعرف بالنوم العميق، وهاتان المرحلتان مهمتان لاستعادة الجسم نشاطه، ونقص هاتين المرحلتين من النوم ينتج عنه النوم الخفيف غير المريح والتعب والإجهاد خلال النهار.
- وبعد حوالي التسعين دقيقة تبدأ مرحلة الأحلام أو ما يعرف بمرحلة حركة العينين السريعة، وتحدث الأحلام خلال هذه المرحلة، وهذه المرحلة مهمة لاستعادة الذهن نشاطه. والمرور بجميع مراحل النوم يعرف بدورة نوم كاملة.
وخلال نوم الإنسان الطبيعي (6-8 ساعات) يمر الإنسان بحوالي 4-6 دورات نوم كاملات.
وهنا تظهر عظيم نعمة الله تعالى في أن وصف النوم بـ ( سباتاً ) ..
قال المفسرون : سباتاً أي : قطعاً للتعب والنصب ممتداً في السكن والراحة . .
فهو . .
سكن يسكن فيه الجسد من لؤاء التعب والنصب والجهد .
سكن يسكن فيه الدماغ ليستعيد حيويته .
سكن يسكن فيه القلب بلا ضجر ولا هم أو غم أو قلق .
قال تعالى : " أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "
لكن متى يتحقق هذا السبات والسكن تحققاً حقيقياً ؟!
إنه لن يتحقق ذلك إلا حين يحقق الإنسان شكر هذه النعمة بالتزام الهدي النبوي فيها .
من هنا نعلم أن النوم ليس فقداناً للوعي أو غيبوبة وإنما حالة خاصة يمر بها الإنسان، وتتم خلالها أنشطة معينة. تحتم عليه آدابا معينة ليكون النوم ( سباتاً ) !
النوم الطبيعي ؟!
في دراسة للمركز الوطني للإحصاءات الصحية بالولايات المتحدة الأمريكية، وجد أن اثنين من كل عشرة أشخاص ينامون أقل من 6 ساعات في الليلة ، وواحد من كل عشرة ينام 9 ساعات أو أكثر في الليلة. ويدعى الأشخاص الذين ينامون أقل من 6 ساعات بأصحاب النوم القصير، والذين ينامون أكثر من 9 ساعات بأصحاب النوم الطويل، ولكنهم طبيعيون.
والذي يتأمل نصوص السنة وهديه صلى الله عليه وسلم في النوم يجد أن المعدّل الطبيعي للإنسان العادي في العموم الغالب هو نوم ( سبع ساعات في اليوم ) يقل العدد في حدّ أدنى إلى ( 5 ) ساعات ! ويرتفع في حدّ أقصى إلى ( 10 ) ساعات في اليوم الواحد . وذلك على حسب اختلاف طول الليل والنهار بين فصلي الشتاء والصيف .
جاء في الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه . ويصوم يوما ، ويفطر يوما "
وفي حديث النزول الإلهي لله جل وتعالى إلى السماء الدنيا ثبت النص بأن الله تعالى يتنزّل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ، وهو الوقت الذي ندب فيه القيام لله ومناجاته .
وأخرج سفيان بن عيينة في جامعه من حديث خوات بن جبير رضي الله عنه موقوفا قال ” نوم أول النهار حرق، وأوسطه خلق، وآخره حمق ” وسنده صحيح.
على ضوء هذا نستطيع أن نقوم بعملية حسابية لاحتساب عدد ساعات النوم الطبيعي للإنسان العادي كما يلي :
1 - فترة القيلولة ، وهي النوم في وسط النهار عند الزوال وما قاربه من قبل أو بعد . ويقدر وقت القيلولة في حدٍّ أعلى ( ساعة ) تقريباً .
2 - النوم الليلي : تقدّر عدد ساعات النوم الليلي - من بعد صلاة العشاء وحتى أذان الفجر - بـ ( 7 ) ساعات . في فصل الصيف و ( 9 ) ساعات تقريباً في فصل الشتاء .
فيصير مجموع ما ينامه الإنسان :
- ( 8 ) ثمان ساعات في فصل الصيف .
- ( 10 ) عشر ساعات في فصل الشتاء .
وإذا اعتبرنا أن الإنسان حريص على قيام الليل واستغلال الثلث الأخير من الليل فيكون بذلك معدّل نومه :
- ( 5 - 6 ) ساعات في فصل الصيف .
- ( 7 - 8 ) ساعات في فصل الشتاء .
اعتقاد خاطئ !
يعتقد بعض الناس أنهم يحتاجون إلى ثمان ساعات نوم يومياً، وأنه كلما زادوا من عدد ساعات النوم كلما كان ذلك صحياً أكثر، وهذا اعتقاد خاطئ. !!
فإن عدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان تختلف من شخص إلى آخر .
فعلى سبيل المثال إذا كنت تنام لمدة خمس ساعات فقط بالليل وتشعر بالنشاط في اليوم التالي فإنك لا تعاني من مشاكل في النوم. البعض الآخر يعزي قصور أداءه وفشله في بعض الأمور الحياتية إلى النقص في النوم، مما يؤدي إلى الإفراط في التركيز على النوم، وهذا التركيز يمنع صاحبه من الحصول على نوم مريح بالليل ويدخله في دائرة مغلقة. لذلك يجب التمييز بين قصور الأداء الناتج عن نقص النوم وقصور الأداء الناتج عن أمور أخرى، كزيادة الضغوط في العمل وعدم القدرة على التعامل مع زيادة التوتر وغيرها.
* الهدي النبوي في النوم . . آداب وأسرار .
لمّأ كان الإنسان يقضي ثلث عمره في النوم وكان النوم هو موتة صغرى لا يستطيع حينه الانسان أن يقوم بأي عمل ، وحياة المؤمن الحريص إنما هي مزرعة للآخرة وهو لا ينفك عن هذه الموتة التي تمنعه عن العمل ، جاء الهدي النبوي ليجعل من هذه الموتة عملاً يُتقرّب به إلى الله جل وتعالى ، لكن لا ينال هذه القربة إلا من هُدي .
فجاء الهدي النبوي في النوم هدياً كاملاً شاملاً يعين على سمو الروح وصحة البدن .
ويمكن أن نقسم الهدي النبوي في ذلك إلى قسمين :
- آداب قبل النوم .
- آداب الاستيقاظ من النوم .