القصة السادسة والعشرون :
أمّا ما جاء عن أُمِّ صالح ، امرأةٌ بلغت الثمانين من عمرها تتفرغُ لحفظ الأحاديث ، إنَّها نموذجٌ فريد من أعاجيب النساء ، أَجرتْ مجلة الدعوة حوارًا معها فقالتْ هذه المرأة إنّها بَدَأتْ بحفظ القرآن في السبعين من عمرها ، امرأةٌ صابرة ، عاليةُ الهمّة ، قالت هذه الحافظة الصابرة : كانت أُمنيتي أن أحفظ القرآن الكريم من صِغَري ، وكان أبي يدعوا لي دائماً بأن أحفظ القرآن كإخوتي الكبار ، فحَفِظتُ (3) أجزاء ، ثم تزوجتُ وأنا في الثالثة عشر من عمري ، وانشغلتُ بالزوج والأولاد ، ثم توفي زوجي ولي سبعةٌ من الأولاد كانوا صِغَاراً ، تقول : فانشغلتُ بهم ، بتربيتهم وتعليمهم والقيام بشؤونهم ، وحين رَبّتهم وتَقَدمتْ بهم الأعمار ، وتزوج أكثرُهُمْ ، تَفَرَغَتْ هذه المرأة لِنَفْسِها ، وأول ما سَعَتْ إليه أنَّها بدأتْ بحفظ القرآن ، وكانت تُعينها ابنتها في الثانوية ، وكانت المُعلمات يُشجعنَ البنت على حِفْظِ القرآن ، فَبَدَأتْ مع أُمِّها كُلَّ يوم تحفظ عشرة آيات ..
أمَّا طريقة الحفظ : كانت ابنتها تقرأ لها كل يوم بعد العصر عشر آيات ، ثم تُرددها الأُم ثلاث مرات ، ثم تشرح لها البنت بعض المعاني ، ثم تردد هذه الأم الآيات العشر ثلاث مرات أخرى ، ثلاث ثم تشرح ثم ثلاث ، وفي صباح اليوم الثاني تُعيدها البنت لأُمها قبل أن تذهب إلى المدرسة ، وكانت هذه المرأة الكبيرة في السِّن تستمع لقراءة الحُصَري كثيراً وتُكرر الآيات أَغْلَبَ الوقتْ حتى تحفظ ، فإن حَفِظَتْ أَكْمَلَتْ ، وإن لم تحفظ فإنها تُعاقب نفسها وتُعيد حفظ الأمس ، تُعيده في اليوم مع ابنتها ، وبعد أربع سنوات ونصف حَفِظَتْ هذه الأم اثنا عشر جزءاً ، ثم تزوجتْ البنت ، ولمّا عَلِمَ الزوج بشأن زوجته مع أمها وطريقة الحفظ ، استأجرَ بيتاً بالقُربِ من منزل الأم ، وكان يُشَجِّعُ البنت وأمها ، وكان يَحضُرُ معهن أحياناً ويُفَسِّرُ لَهُنَّ الآيات ، ويستمع لحفظهن ، واستمرتْ هذه البنت مع أمها ثلاثة أعوام أيضاً ثم انشغلت بأولادها هذه البنت ، ثم بَحَثَتْ البنت عن مُدَّرِسَةْ تُكْمِلُ المشوار مع أمها ، فأتت لها بِمُدَرِّسَة ، فَأَتَمَّتْ حفظ القرآن الكريم ، هذه المرأة الكبيرة أَتَمَّتْ حفظ القرآن وما زالت ابنتها إلى إجراء الحوار مع أُمها تواصل الحفظ حتى تلحق بالأم الكبيرة في السِّنْ ، وقد حَفِظتْ القرآن بعد أكثر من عشر سنوات ، أمَّا النِّساء حولها فَتَأَثرنَ بها ، فبناتها وزوجات أبناءها تَحَمَّسْنَ كثيراً وكُنَّ دائماً يضربنَ المثل بهذه الأم العجيبة ، وبَدَأْنَ بحلقة أسبوعية في منزل الأم للحفظ ، فصارت هي العالِمة بينهُنْ ، أو الحافظة بينهُنْ ...
وقد أَثَّرتْ هذه المرأة بحفيداتها ، فكانت تُشجعُهُنَّ بالإلتحاق بحلقات التحفيظ ، وتُقدم لهُنَّ الهدايا المُتنوعة ، أمَّا جاراتها فأول الأمر كُنَّ يُحْبِطْنَ عزيمتها ويُرددنَ إصرارها على الحفظ لِضَعْفِ حِفْظِها ، ولمَّا رأَينَ استمرارها وصبرها ، بَدَأنَ يُشَجِعْنها ، تقول هذه الأم المُربية العجيبة التي حَفِظَتْ القرآن بعد الثمانين : حينما عَلِمَتْ هؤلاء النِسْوة أَنِّي حَفِظْتُ القرآن رَأَيْتُ دُمُوعَ الفَرَحِ منهُنْ ، وهذه المرأة تَسْتَمِعْ كثيراً إلى إذاعة القرآن الكريم ، وتَقْرَأُ في صلاتها السور الطويلة ، بَدَأَتْ بالحفظ وعُمْرَهَا تجاوز السبعين ، ثمَّ لم تكتفي هذه المرأة بحفظ القرآن فقط ـــ بل انْتَقَلَتْ إلى حفظِ الأحاديث النبوية ، فهي تحفظ إلى إجراءِ الحوار (90) تسعين حديثاً ، وتحفظ مع إحدى بناتها ، وتعتمد على الأشرطة ، وتُسَمِّعْ لها ابنتها كل أسبوع ثلاثة أحاديث ، اسْتَمَرَّتْ هذه المرأة أكثر من عشر سنوات في الحفظ ، تقـــول : أَحْسَـسْتُ بِإِرْتِياحٍ عجيب بعد حفظِ القرآن ، وغَابَتْ عَنِّي الهموم والأفكار ، ومَلأْتُ وقْتَ فراغي بطاعة ربي ، اقْتَرَحَتْ عليها بعض النسوة أَنْ تَدخُلَ في دُورِ تحفيظ القرآن ، فَأجَابتْ هذه المرأة وَرَدَّتْ فقالت : إِنِّي امرأةٌ تَعَودتُ على الجُلُوس في البيت ولا أَتَحَمْلُ الخروج ، وتدعُوا كثيراً لإبنتها وتَشْكُرها بأنَّها بَذَلَتْ معها الكثير الكثير ، تقول : وهذا من أَعْظَمِ البِرِّ و الإحْسَانْ ، خَاصَّةً أَنَّ البنت كانت في مرحلة المُراهقة ، التي يشكوا منها الكثير ، فكانت البنت تضغط على نَفْسِهَا وعلى دراستها لِتُفَرِّغَ نَفْسَهَا لِتَعْلِيمِ أُمِّها بِصَبْرٍ و حِكْمَة ، وثُمَّ خَتَمَتْ هذه المرأة الصالحة وقالتْ : لا يأْسَ مع العَزِيمَةِ الصَادِقَة ، ولا يَأْسَ مع قُوةِ الإرادة والعَزمِ والدعاء ، ثُمَّ البداية في حفظِ القرآن ، ثُمَّ قالتْ : والله ما رُزِقَتْ الأُمُّ بِنِعْمَةٍ أَحَبِّ إليها من ولدٍ صالحٍ يُعِنُها على التَقَرُّبَ إلى الله عز وجل .
صَدَقَ الشاعِرُ حينَ قال :
بَصُرْتُ بِالرَّاحَةِ الكُبْرى فَلَمْ أُرَها ++++* تُنَالُ إلاَّ على جِسْرٍ مِنَ التَعَبِ
القصة السابعة والعشرون :مُعلِمةٌ ماتت ، تُوفيت إحدى المُعَلِّمَاتْ الدَّاعِياتْ مَعَ زَوجِهَا في حَادِثْ ، وكَتَبَتْ عَنْها بعض الطَالِبَاتْ ، بعض المَقَالاتْ في إِحْدَى الصُحُفْ ، فَمِنْ ذَلِكَ قالتْ إِحْدَاهُنْ : رَحِمَكِ الله أُسْتَاذَتِي ، جَعَلْتِ جُلَّ اهتِمَامَكِ الدعوة ، وجَعَلتِ نَصْبَ عينيكِ إيقاظُ القُلُوبِ الغافِلَة ، فَأَنْتِ المَنَارُ الذي أَضَاءَ لنا الطريق ، لَنْ يَنْسَاكِ مُصَلَّى المدرسة ، لكن سَيَفْقِدُ صَوتَكِ العَذْبْ ، وكَلامَكِ الرَّصِينْ ، والقِصَصَ الهادِفَة التي تَأْتِينَ بها ، والمَواعِظَ الحَسَنَة ، ولَنْ أَنْسى جُمُوعَ الكَلِمات التي تَصْدُرُ منها ، ولن أنسى المُعلمات ولا الطالبات اللاتي يُسْرِعْنَ لِحُضُورِ درسَكِ في وقْتِ الإِسْتِراحة ، فَسَتَبْقَى كَلِمَاتُكِ ونَصَائِحُكِ مَحْفُوظَةً في جُعْبَتِي لن أَنْساها ما حييتْ .
لا تُنكِروا أَثَرَ الكَلامِ فَإِنَّه ُ أَثَرٌ عَجِيبٌ في النُفُوسِ مُجَرَّبُ
ومَهْما كَتَبْتُ أو دَوّنْتُ فَلَنْ أَصِلَ إلى نِصْفِ ما بذلتيه لنا .
وقالت طالبةٌ أخرى عن هذه المعلمة : ما زَالَتْ كَلِمَاتُها في قلبي إلى الآن ، لمّا قالت لي ناصحةً لي : إنَّ للإيمانِ طَعْمَاً حُلْواً لَنْ يَتَذَوقْهُ إلاَّ مَنْ أَطَاعَ الله عز وجل . مازالتِ القِصَصْ التي قُلْتِيها في قلبي ووجداني ، لقد رأيتُها في المنام قبل وفاتها ، سَمِعْتُ صوتاً حول هذه المُعَلّمَة يقول : هذه المرأة على طريقِ العُلَمَاءْ ، تقول هذه الطالبة : فلمّا أَخْبَرتُها تَبَسْمَّتْ . ـــ رَحِمها الله ـــ على ما بذلته من أعمال الخير .
القصة الثامنة والعشرون :
تقول الفنانة التائبة سُهير رمزي : لأول مرة أذوقُ طعم النوم ، قريرةَ العين ، مُطْمَئِنَةَ البَالْ ، مُرتَاحةَ الضمير ، وأمّا سبب هدايتها فعجيب : ــ كانت قبل أن تتحجب ، ولمّا كانت تُزاولُ الفَنْ ، حَضَرتْ على مركزٍ لِتَعْلِيمِ القرآن ، ولإجتماع الدُعاة والداعيات في مصر ، وكان هذا المركز بِمَالِ إحدى التائبات من الفنانات ، وهي ابنة الشيخ الحُصَرِي ــ رحمه الله ــ تقول : إنَّ هذه الفنانة التائبة أو المُمَثلة التائبة ، لمّا تابت أقامت هذا المركز وجعلت شيئاً من الوقف لأبيها المُتَوفَّى القاريء الحُصَرِي ــ رحمه الله ــ وثَبَّتَ ابنته على الحق والخير ، تقول : كانت هذه الشَابَّة البَارَّة بأَبيها ــ رحمه الله ــ تُحْضِر بعض الدُعاة ، فَحَضر أحدُ الدُعاة ، لبعضِ النِّسْوة وكانت هذه ( سُهير رمزي ) حاضِرة بين النساء ، وهي غير مُتَحجِّبة ، تقول : أَوّل ما بدأ المُلقي يتكلم ، تَكَلَّمَ وقال : إنَّ تسعةً وتسعين من أشراطِ الساعة الصُغْرى قد ظَهَرتْ ، وإنَّ هذه الزلازل التي نَراها في العالم إنَّها تُؤْذِنُ بِقُربِ القيامة الكُبرى .
ثُمَّ تلا قول الله تعالى : {إذا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنْسَانُ مَالَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهْ} [ سورة الزلزلة ] .
تقول : فلم أتمالك نفسي وبكيتُ كثيراً كثيراً ، وعَرفْتُ أنِّي ضائعةٌ تائهة ، ثُمَّ أسندتُ رأسي على كَتِفِ أمي وقلت : إنِّي أُعْلِنُ الرجوع إلى الله عز وجل ، ثُمَّ لمّا تَابَتْ تقول : لأول مرة أذوقُ طعم النوم ، قريرةَ العين ، مُطْمَئِنَةَ البَالْ ، مُرتَاحةَ الضمير .
القصة التاسعة والعشرون :
منى عبد الغني ، فنانةٌ سابقة ، أَعْلَنَتْ توبتها إلى الله عز وجل ، لَبِسَتْ الحجاب ، وطالَبَتْ وسائل الإعلام ألاَّ تُخْرِجُ شيئاً من أغانيها ولا صورها ، تقول أمّا بداية هدايتي فقالت : كنتُ أُفَكِّرُ دائماً لو جاء الموت إليَّ وأنا على هذه الحال ، وأنا غير مُستعدة للقاء ربي ، فماذا أفعل ؟ وكُنتُ أصحوا فَزِعَةً من النوم أحياناً ، لأُحاسبَ نفسي بشدة ، أُريدُ جواباً لهذا السؤال ؟ أُريدُ تطبيقاً لهذا السؤال ؟ قالت : كانت أخواتي يرتدين الحجاب ، وعائلتي مُتَدَينَةْ ، وأخي ممدوح ــ رحمه الله ــ يُلِحُّ عليَّ دائماً بأن ألبس الحجاب ، لا تُنكرُ أثر الكلام تـقول : قبل وفاته بأربعين يوماً كان يُحضِرُ لها الأشرطة الدينية ، والمواعظ عن الموت وعن الآخرة ، وبعد الحج رجع إلى مقرِّ عمله في باريس ، ومات وهو ساجد ، نسألُ الله من فضله ، فلمّا مات تقول : أفَقْتُّ من هذا السُباتِ العظيم ، وأَفَقْتُ على هذا النور الذي بَزَغَ لي وسَطَ الظلام ، وقبل أن يُوارى جُثْمَانُ أخي قررتُ ارتداء الحجاب واعتزال الفن ، بعد ذلك تَحَسَّنَتْ أَحْوالَهَا مع الله عز وجل ، وأَقْبَلَتْ عليه بالعبادات ، وتَرَكَتْ العمل في معهد المُوسِيقى ، وتَفَرَّغَتْ لابنتها ، لِتَربيتها تربيةً صالِحة ، وتقول : لَنْ أَعُودَ لِلْفَنِّ مهما كانت المُغْريات ، وأقول أخيراً : والكلام لها : ربنا لا تُزِغْ قلوبنا بعد إذ هديتنا .
وأمّا أخوها ممدوح ــ رحمةُ الله عليه ــ فَيَحْسُنُ أَنْ يُقالُ عنه ما قال الشاعر :
يا رُبَّ حيٍ رُخَامُ القبرِ مَسْكَنَهُ ++++* ورُبَّ مَيْتٍ على أَقْدامِهِ انْتَصَبَا
القصة الثلاثون :امرأةٌ أخرى تتمنى أنَّها إذا دَخَلَتِ الجَنَّة ، أَنْ تَجْلِسَ تَحْتَ شَجَرَةٍ ، وتُصَلِّي وتَعْبُدُ الله عز وجل ، لِحُبِّها للصلاة وتَعَلُقِها بها .
أَشْرِقِي يا مَعْدَنَ الطُهْرِ الثَمِينْ دُرَّةً بالحَــقِّ غَــرَّاءَ الجَـبِيـنْ
شُعْلَـةً تُوقــِظُ فـي أَرْواحِنـَا خَامـِدَ العَــزْمِ وأَنْـوارَ اليَقِيــنْ
يــا ابْنةَ الإِسْلامِ يا نَسْـلَ الهُلى سََطَّروا الأَمْجَاد بِالفَتْحِ المُبـــِينْ
فَتَّحُوا الأَقَفَالَ في وجْهِ الضُحـى أَسْعَدُوا الإِنْسَانَ في دُنْيا و دِينْ
فَجَّـروا تِلْكَ الينَـابِيع التي تَسْتَقِي مِنْهَا قُلُــــوبُ المُؤمِنِين
أَبْشِرِي يا أُخْـتُ بالفَجْـرِ الـذي سَوفَ يأْتِي في عُيونِ القاَدِمين
مُـحْـصَـناَتٍ فـي خـدُوُرٍ زُودَتْ بِالـتُقَى و الخـلُـقِ البَرِّ الثَمِينْ
امْـلَئِي الأَرْضَ سَـلامَاً وآ سَلام وازْرَعِي الدُنْيا ورُودَ اليَاسَمِينْ
أَنْتِي يا أُخْـتَاه إِشْـراقَ المُنَى فَاصْعَدِي العَلياءَ بِالدِينِ الحَصِينْ
كُلُّ مَـا نَرجُوهُ يا ذَاتَ الضِــياء أَنْ تَكُــونِي شَرَفَــاً في العَالَمِـين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . . .