بعد أن حسم الماتادور الإسباني رافاييل نادال الجدل حول سيطرته على الملاعب الترابية بتتويجه للمرة الرابعة بطلاً على عرش رولان غاروس على حساب غريمه التقليدي "الساحر" السويسري روجيه فيدرر الذي سقط في السنوات الثلاث الماضية في النهائي أمام الإسباني. اعتبر الكثيرون من متابعي عالم الكرة الصفراء أن فيدرر هو ملك الملاعب العشبية إذا كان نادال ملك الترابية، لكن الأخير صعق العالم بأجمعه وعلى وجه الخصوص فيدرر حين تجرأ على خلعه عن عرش ويمبلدون، الذي تربع عليه طيلة السنوات الخمس الماضية.
ولم يكن أحد ليستوعب المستوى الذي وصل إليه "رافا" على الملاعب العشبية، خاصةً أنه نشأ على الملاعب الترابية التي تنتشر بشكل واسع في بلاده إسبانيا التي تعتبر المدرسة الأفضل في العالم بهذا المجال.
واليوم لم يعد أمام فيدرر خياراً غير الانتفاض بأسرع وقت ممكن إذا ما أراد البقاء مصنفاً في المركز "الرقم واحد" على العالم بحسب تصنيف رابطة اللاعبين المحترفين لكرة المضرب، فهو بدأ بشكل متعثر في أستراليا حيث فقدَ لقبه مطلع الموسم، واعتقد المتابعين أنها كبوة جوادٍ وأن تركيز فيدرر ينصب على بطولة رولان غاروس التي ما زال لقبها غائب عن خزائنه إلا أنه وبالرغم من وصوله إلى المباراة النهائية لم يقوى على الوقوف في وجه "التسونامي" الإسباني، ولم يكن بوسع محبي "فتى بال" الخجول سوى انتظار ويمبلدون لمشاهدته يرفع كأس إحدى الدورات الكبرى الذي طال انتظاره في الموسم الذي يعتبر الأسوأ له منذ سنوات، ولكنه لم يفعل...
وإذ أردنا أن نكون عادلين لا يمكننا أن ننكر فضل فيدرر في المباراة النهائية التي خاضها الأحد الماضي في ويمبلدون والتي وصفتها وسائل الإعلام العالمية بالملحمية، ذلك أن العرض والمستوى الفني الذي قدمه اللاعبان في المباراة فاق الخيال وكل التوقعات.
وعلى الرغم من تهنئة السويسري لخصمه نادال وإثنائه على مستواه، وكونه قدم مباراة جيدة و"تنس" رفيع المستوى إلا أن ذلك لم يعزيه بفقدان اللقب وهو أظهر سخطه في المؤتمر الصحفي بعد المباراة قائلاً: "لست أفكر بالمستوى الذي قدمته، لقد كانت هزيمتي اليوم الأسوأ في مسيرتي على الإطلاق". مضيفاً: "هزيمتي في رولان غاروس كانت متوقعة، ولكن أن أهزم في ويمبلدون فهذه كارثة بالنسبة لي".
وبالفعل فقد كان فيدرر يعوّل على الفوز في ويمبلدون التي يعتبرها "حديقته الخاصة" لنسيان طعم الخسارة المذلة التي تلقاها على يد نادال في نهائي غاروس، لكن الحلم تبخر وازداد طعم المرارة الذي أصبح عالقاً في حلقه وهو غير قادر على التخلص منه.
هول الكارثة
255 نقطة هي مجمل النقاط التي نتجت عن معركة الأحد الماضي والتي امتدت لـ4 ساعات و48 دقيقة استهلك فيها الرقم واحد على العالم بدنياً وذهنياً. ورغم تحدث البعض عن أن العشب الجديد الذي اعتمد في ويمبلدون هذه السنة يعتبر بطيئاً مقارنةً بالسنوات الماضية ما عزز من حظوظ نادال، إلا أن فيدرر الذي خانته وكالعادة ضرباته الخلفية الأمامية "Backhand" والأمامية "Forehand" أيضاً في بعض الأوقات الحساسة من المباراة اعترف بتفوق خصمه اللدود قائلاً:"لقد حسّن طريقة لعبه بشكل مذهل. يقدم أداءً مميزاً منذ مطلع العام الحالي، كما أنه طور طريقة لعبه على الملاعب السريعة، وهو لم يكن بحاجة إلى هذا الفوز حتى نقول عنه هذا".
واليوم وبعد هذا الاعتراف أصبح فيدرر يدرك جيداً أنه لن يستطيع أن يتخطى نادال بسهولة لا على الملاعب السريعة ولا حتى على البطيئة منها، وما تفوق نادال بـعدد المواجهات (12 مقابل 6) إلا دليلاً قاطعاً على قوة "الماتادور" الإسباني.
وماذا بعد..؟ ماذا تبقى من فرص لفيدرر أمام نادال؟ هل يكمن الحل بصعود فيدرر غالباً على الشباك؟ حل غير مجدي في مواجهة نادال الذي يمكنه إيجاد الزوايا المناسبة لتمرير الكرات "Passing shots" وإبطال مفعول هذا السلاح. أو أن تحسين لياقته البدنية مقابل قدرة نادال "الماراتونية" على خوض المباريات؟ يبدو ذلك أيضاً مستحيلاً خاصة في ظل فارق العمر الذي يصب أيضاً لمصلحة الإسباني. هل يمكن للحل أن يكمن في إمكانية تطوير فيدرر لضرباته الخلفية الأمامية؟ هنا يمكننا القول إن فيدرر عليه تحسين ضرباته الخلفية - الأمامية إضافةً إلى تطوير إرساله وبشكل خاص الأول.
هناك الكثير من الأسئلة التي يمكن طرحها ومحاولة الإجابة عليها في إطار البحث عن حل للسويسري في مواجهة نادال، لكن وعلى الأرجح فإن فيدرر نفسه لا يعرف الإجابة الصحيحة. وإذا كان على صاحب الـ12 لقب في البطولات الأربع الكبرى أن يحسن تقنياته ولياقته البدنية فإن الشق النفسي المتعلق بتخطيه الخسائر المتتالية سيكون بأصعب خاصةً حين يكون المرء مصنفاً رقم واحد على العالم.
545 نقطة تفصل بينهما
سؤال آخر يجد طريقه إلى عقل كل من يتابع شؤون الكرة الصفراء بعد صدور التصنيف العالمي الجديد لرابطة لاعبي كرة المضرب المحترفين، هل سيتمكن فيدرر من البقاء على عرش كرة المضرب حتى نهاية الوسم الحالي؟
صحيح أن فيدرر ما زال في الصدارة ولكن لن يكون أمامه سوى الفوز ببطولة أميركا المفتوحة رابع وآخر الدورات الكبرى هذا الموسم للحفاظ على رأسه، علماً أنه دائماً ما يكون الحفاظ على اللقب أصعب من الفوز به. إذاً يمكن اعتبار أن فيدرر يرزح تحت ضغطً رهيب ليس فقط كونه حامل اللقب بل لاستعادة بريقه الذي محاه تألق نادال، أضف إلى البقاء في المركز الأول عالمياً.
الكثير والكثير من الضغط على الساحر السويسري فهل سيتمكن من إيجاد "إكسير" خلاصه وإيقاف المد الإسباني؟ سؤال يستحيل الإجابة عليه، لكن ما أصبح مؤكداً أن نادال تقدم معنوياً على فيدرر وصار من الصعب ردم الهوة بينه وبين الإسباني خاصةً بعد فوز الأخير على ملك الملاعب العشبية وفي حديقته.
وقد يكون الفوز "الملحمي" للإسباني في ويمبلدون نهاية حقبة العملاق السويسري وبداية حقبة أخرى يتزعمها الماتادور الإسباني القادم من جزيرة مايوركا.