قضت(( آمنة بنت وهب)) ايام الحمل دامعة باكية لم يكن
يعيزها شيء عن فقد زوجها سوى ترقب رؤية هذا المولود المنتظر
كم تمنت
ان يكون زوجها ((عبد الله)) حاضراً ليشهد بعينيه الوليد لجميل ...ولكن
((عبدالله))قد رحل ..
مكة كلها تذكر ذلك الفتى الوسيم ((عبد الله))
اصغر اولاد عبد المطلب ..
مكة كلها تعرف قصته المحزنة ..التي تحرك
النفوس- كلما ذكرتها _وتهز الافئدة..كان((عبدالله)) انسان من طينة
الشهداء..
يتجه
اليه القلب الانساني بكل مافيه من حب وحنو ورحمة
.. فهو الفتى الذي نشأ في
بيت أبيه(( عبد المطلب)) و ((عبد المطلب))
رجلُ قويُ الخلق ,شديد الايمان
,فيما آمن به ,
حكيم , من قوة
طبعه ِوشدة ايمانهِِِِ , كان بيته بيت له كرم النسب العريق وهو من صميم
قريش,
ومن ذؤابتها العالية ,
وان
لم يكن معدوداً من
اثرياء القبيلة القريشية في ذلك الأوان.. كان ((عبد
المطلب)) قد نذر
فيما مضى لئن عاش له عشرة بنين لينحرن واحداً منهم عند
الكعبة قرباناً
لله.. ثم احله قومه من ذلك النذر ,
واحلتهُ العرافة ايضاً ولكن
((عبد المطلب)) آبى ان يتحلل من نذرِهِ حتى يستوثق من رضى الرب ورضى ضميرهِ
..
سألتهم العرافة..
-كم الدية (الفداء) فيكم؟..
قالوا
..
-عشرة من الابل
قالت..
فتقربوا
اذا
بعشرة من الابل واضربوا على الفتى ((عبدالله)) وعلى الابل بالقداح
0فأن
خرجت على صاحبكم فزيدوا من الابل حتى يرضى ربكم ...
فلما زالوا
يزيدون حتى بلغت الابل مائة, وخرج القداح عليها..
فهتفت عندئذِِ
قريش بعبد المطلب...
- لقد رضي ربكِ...
لقد رضي ربكً يا((عبد
المطلب)) ,فأطلف فتاكِ ((عبدالله)) 0
وكان خليقاً بمن يريد ان
يتحلل ويتعلل ان يقبل ولا حرج
عليه... ولكن ((عبد المطلب )) لم يكن
من المتحللين المتعللين,
فقد آبى الا ان يضرب على
((عبدالله))القداحً ثلاث مرات ..
ثم نحرت الابل للجياع من الاناسي
والسباع
مكة كلها تعرف هذة القصة ..وتعرف ((عبدالله))
وهو الفتى
الذي اختير للفداء فجاشت له شفقة قريش حتى تركه الله لهم
الى
حين!.. وهو الفتى الذي تحدثت فتيات مكة في الخدور
بوسامتهِ وحيائهِ
... وودت مئات منهن لو نعمن منه بنعمة الزواج..
وهو الفتى الذي
اقام مع عروسهِ ((آمنة بنت وهب)) ثلاث ايام
ثم سافر في تجارة ..
فاذا هي السفرة التي لايؤوب منها الذاهبون..
عادت
قافلة قريش في ذلك اليوم وخف الشباب للقائها
قبل ان تصل حرم مكة..
وخرج اخوة((عبدالله)) فيمن خرجً
ولكنهم عادوا وقد بدا الحزن ولاسى
على وجوههم ..ولما
سألهم ابوهم((عبد المطلب)) عما حدث ,اخبروه بمرض
((عبدالله))
وتخلفه في ((يثرب)) عند اخواله من بني ((النجار))..
تألم ((عبد
المطلب)) وخشي من أثر الصدمة على((آمنة))
وحملها00 وقضى الجميع
اياماً حزينة قلقة.. يتلهفون فيها على
سماع نباً عن مريضهم الحبيب...
ولكن؟؟..
جاءهم
اخيراً من ينعى لهم ((عبدالله)) ...مات الفتى ((عبدالله)) وهو غريب عن
اهلهِ ودارهِ
مات وهوفي ريعان شبابهِ ,تاركاً عروسهُ ((آمنة))تبكيه
وحيدة محزونة.. لكأنما كان((عبدالله))
بضعة من عالم الغيب ,ارسلت
الى هذهِ اللدنيا لتعقب فيها هذا الوليد المنتظر .. وهي لاتراهِ..ثم تعود
..
وهكذا تتمثل البصائر الخاشعة((عبدالله))الشهيد,وما تركهُ
وراءهِ
ليصل بين الاخرة والدنيا00وبين عالم البقاء وعالمِ الفناءِ..
كان
((عبدالمطلب))و((آمنة)) قد وضعا عزاءهما فيمن خلفهُ
((عبدالله))
جنيناً في بطن ((آمنة)) ..وكان الجميع ينتظرون وهم
متلهفون مجيء
الوليد المنتظر..
وأرخى الليل ستارهِ الاسود الفاحم على
وجهِ النهار..ورانً
السكونُ على جبال مكة ووديانها ,وهدأ كل
شيء..لاحركة
ولا صوت..وهجعت الكائنات في قلب الوادي المقدس..
وراح((عبدالمطلب))يتلمس
طريقه الى الكعبة وهو يمعن في
التأمل والتفكير ..فقد خلف وراءهُ
((آمنة)) توشكُان تضع
حملها الموعود..
وحين جلس ((عبدالمطلب))
على فراشهِ في جوارالكعبة,
راحت الذكريات تمر على رأسهِ ..وانهُ
ليحس بتأثر عميق,
ونفعال شديد كلما تذكر قصة ولدهِ الذبيح المفدى
((عبدالله))وحياته
الحافلة القصيرة التي اذهلتِ الناس في مكةََ كلها..
ونظر
((عبدالمطلب))الى السماء- من فوقه- ونجومها..
واستشعر -على الرغم من
اشجانهِ -بأن نفسهُ تمتلئ هذهِ الليله أمناً وسلاماً
وهبت من حولهِ
نسيماتُ رطبةُ ,فسكن قلبهُ بالطمأنيمةُ,
واحس- تماماً - بالسكينةِ
وهي تغلغل في ضميرهِ...فأغمضَ
عينيه.. واستسلمَ الى اغفاءةِ
هادئةً...
..وساد البيت العتيق سكونٌ شاملٌ عميقٌ....
في
تلك الليلة نفسها, افاق الناس في ((يثرب)) على صوت عال غريب..
كان
اللغط في كل مكان, وكانت الضجة العالية تملأ الفَضَاءَ الساكن!!....
ولكن!..ما
الذي حدث هناك, حتى يعكر نوم النائمين ,وصفو السامرين في المنتديات؟!!..
وحين
خرج الناس في ((يثرب)) الى مصدرِ الصوت,.. شاهدوا رجلاً يهودياً فوق تلةٌ
عالية ٌ يصرخ بملء فيهِ...
-يامعشر اليهود!...
يامعشر
اليهود!...
هلموا الي00 هلموا انظروا معي...
اسرعت اليه
جماعةٌ من اليهود .. واجتمعوا حولهً..
كانوا جميعاً يعرفون فيه
العلم بالنجوم وشؤون التنجيم,
وكشف الطالع..
صاح الناس من
حولهِ..
-ويلك ,ما لَكَ!00 ماالذي حدث لك الليلة!..
توقف
اليهودي لحظة00 نظر في وجوههم بعينيهِ الكئيبتين
ثم اشار الى السماء
الصافية الهادئةِ وصاح..
-انظروا!!! ..انظروا!!!..
رفع لناس
رؤسهم وتطلعوا الى السماء .. كانت رائقةُ
مشرقةً,, تتلألأ فيها
النجوم وتسطع, لايكدر صفاءها شيءٌ,
فصاحوا....
-ويلك!..
ماذا.. ماذا هنالك!!!..
صاح اليهودي ُ بهم, وهو يشير الى السماء من
جديد..
-انظروا!! انظروا لقد طلع نجمً أحمد!..
لقد طلع
الليلة نجم احمد !!...
كان ((عبد المطلب)) قد نهض من مجلسهِ جوار
الكعبة حين رأى امرأة تجري نحوه, وهي تصيح..
-أبشر يا((عبدالمطلب))
.. أبشر..
قال ((عبد المطلب))..
-ماذا !! ماذا وراءكِ
ياامرأة؟.............
صاحت المرأة , والفرحة تملأ صدرها...
-جاءت
((آمنة ً)) بولد لا ككل الولدان!!...
سأل ((عبد المطلب))
مستبشراً...
-ولد؟.. تقولين ولد .. ياامرأة..
اجابت المرأة
...
-بلى يا((عبد المطلب)).....
بلى يا((عبد المطلب)).....
لقد
نظرت ((آمنة)) وهو يخرج منها, ان قد خرج منها نورٌ
رأت به قصور
بصرى في ارض الشام!!......
صاح ((عبد المطلب)) ووجههُ يفيض بالبشر
والسعادة.....
-احقاً تقولين؟!...........
انها والله للرؤيا
التي رأيت..
انها والله للرؤيا الي رأيت..
قالت المرأة
مستفهمة....
-واي رؤيا يا((عبد المطلب))؟؟.......
اي رؤيا
تعني؟؟...
قال ((عبد المطلب)) ..
-ألم ار في منامي هنا كأن
سلسلة من فضةِ خرجت من ضهري ,
لها طرف في السماء وطرف في الارض ,
وطرف في المشرق,
وطرف في المغرب... ثم كأنها شجرةُ على كل ورقة منها
نورُ..
واذا اهل المشرق والمغرب كأنهم يتعلقون بها...
ويحمدونها؟!!...
قالت المرأة وقد أخذتها الدهشة..
-والله
انها لرؤيا خير!..
فلتسم المولود ((محمداً))
هتف ((عبد
المطلب)) في فرح غامر , وانفعال عميق..
-نعم ..نعم.. سأسميهِ
((محمداً))..
ولأ لتمس له المراضعَ...
قالت المرأة...
-هلم
يا((عبد المطلب)) , فأنظر اليه!..
هلم, فأنظر (( محمداًً))