بسم الله الرحمن الرحيم
إن من أبرز ما يميّز كل شئ من ملذات ومتع الحياة الدنيا عن
ملذات ونعيم الآخرة :
أن ما نسمع به من الملذات وما يتم تصويره لنا من متع الدنيا
لا يكون عندما نشاهده بنفس العظمة والجمال الذي تصورناه
فسماعه دائما يكون أعظم من معاينته بينما كل شئ نسمعه
أو نتصوره من نعيم الآخرة يكون أقل وأدون بكثير
من معاينة نعيم الآخرة فكل شئ من الآخرة معاينته
أعظم من سماعه .
والسبب في ذلك :
أن عالم الآخرة وحضارتها هو أرقى بكثير من
عالم الدنيا وحضارتها بما في ذلك عالم الخيال
والتصور فان كل ما نتخيله ونتصوره مهما كان
عظيما ورائعا فهو ليس إلا نتاجا من نتاجات هذه
الدنيا المحدودة زمانا ومكانا وقدرة بينما عالم
الآخرة هو عالم فوق الخيال والتصور لا حدود
للزمان والمكان والقدرة فيه لأن المبدع العظيم
سبحانه قد خلق عالم الآخرة للنعيم فلا حدود
لنعيم الآخرة كما لا حدود لإبداعه سبحانه
فان ( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا
خطر على خيال بشر ) بينما خلق الحياة الدنيا
لإبداعات الناس كما قال تعالى ( خلق الموت
والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) .
فالعاقل منا هو الذي يكتفي من ملذات هذه الدنيا
بالسماع بينما لا يكتفي من ملذات الآخرة بغير
الواقع والعيان فان أي وقت نريد أن نقضيه للتلذذ
بمتع الحياة الدنيا فان لنا منه تلك اللذة والمتعة لا
غير بينما الوقت الذي ننفقه لأعمال الآخرة سوف
نلقى جزاءه بدون حدود ولا نهاية فمهما أمكن لنا
أن نستثمر وقتنا لعمل الآخرة فهو بدون شك أفضل
لنا من استثماره في ملذات الدنيا فما نقص من الدنيا
وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة وزاد
في الدنيا فالرابح في الآخرة هو الذي أنقص من
دنياه ليزيد في آخرته والخاسر فيها هو الذي ترك
آخرته ليزيد في دنياه .