عاش اليهود في كنف دولة الإسلام في الأندلس، بكل خير ورفاهية ورغد عيش، فلا أحد يفكر أن يظلمهم أو يصادر حقوقهم، وانتظم كثير منهم في سلك الوظائف العامة، حتى ولي بعضهم مناصب خطيرة مثل الوزارة والحجابة، وزاد ثراء هذه الطبقة، وعاشوا على أفضل ما يكون في ظل عدالة الشريعة الإسلامية، وسماحة المسلمين المعهودة مع الذين لم يقاتلهم في الدين.
ولما سقطت دولة الإسلام في الأندلس في 21 محرم سنة 897هـ، وجاء الحكم الصليبي الإسباني للبلاد، كان أول قرار تم اتخاذه هو إنشاء ديوان التحقيق أو التفتيش الإسباني, وكان الهدف منه مطاردة الكفار بزعمهم وحماية المذهب الكاثوليكي من الشبهات والضلالات، وكان اليهود هم أول ضحايا سياسة العنصرية والمحو التي رسمتها إسبانيا الصليبية، وكان القرار الذي أصدره الملكان فريناندو وإيزابيلا في 22 جمادى الأولى 897هـ ـ 30 مارس 1492م، والقاضي بأن يغادر سائر اليهود الذين لم يتنصروا من أي سن وظرف إسبانيا في غضون أربعة أشهر من تاريخ القرار، ولا يعودوا إليها أبدًا، ويعاقب المخالفون بالموت والمصادرة، فتنصر كثير منهم حفاظًا على أرواحهم وأموالهم وهام الباقون على وجوههم في الأرض، بين الحرمان والتجريد والتشريد.
الجدير بالذكر أن الدولة العثمانية قد وافقت على إيواء هؤلاء اليهود المطرودين في ولاياتها وذلك أيام السلطان سليمان القانوني، وكان ردهم على هذا المعروف العظيم، التآمر على إسقاط هذه الدولة وذلك عبر تنظيم يهود الدونمة الشهير.