كما تدين تدان فانتبهواحظروا ياأخواني في الله
قال ابن الجوزي
نظر بعض العباد3 شخصًا مستحسنًا، فقال له شيخه: ما هذا النظر؟! ستجد غبة4. فنسي القرآن بعد أربعين سنةً.
وقال آخر: قد عبت شخصًا قد ذهب بعض أسنانه، فانتثرت أسناني!
ونظرت إلى امرأة لا تحل، فنظر إلى زوجتي من لا أريد!
1564- وكان بعض العاقين ضرب أباه، وسحبه إلى مكان؛ فقال له الأب: حسبك! إلى ها هنا سحبت أبي!!
1565- وقال ابن سيرين: عيرت رجلًا بالإفلاس، فأفلست. ومثل هذا كثير.
1566- ومن أعجب ما سمعت فيه عن الوزير ابن جهير الملقب بالنظام1: أن المقتفي غضب عليه، وأمر بأن تؤخذ منه عشرة آلاف دينار، فدخل عليه أهله محزونين، وقالوا له: من أين لك عشرة آلاف دينار؟! فقال: ما يؤخذ مني عشرة ولا خمسة ولا أربعة. قالوا: من أين لك؟ قال: إني ظلمت رجلًا؛ فألزمته ثلاثة آلاف، فما يؤخذ مني أكثر منها؛ فلما أدى ثلاثة آلاف دينار، وقع الخليفة بإطلاقه ومسامحته في الباقي.
1567- وأنا أقول عن نفسي: ما نزلت بي آفة أو غم أو ضيق صدر، إلا بزلل أعرفه، حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشيء الفلاني. وربما تأولت فيه بعد، فأرى العقوبة. فينبغي للإنسان أن يترقب جزاء الذنوب، فقل أن يسلم منه.
1568- وليجتهد في التوبة؛ فقد روي في الحديث: "ما من شيء أسرع لحاقًا بشيء من حسنة حديثة لذنب قديم" 2، ومع التوبة يكون خائفًا من المؤاخذة، متوقعًا لها؛ فإن الله تعالى قد تاب على الأنبياء عليهم السلام، وفي حديث الشفاعة: "يقول آدم: ذنبي، ويقول إبراهيم وموسى: ذنبي".
فإن قال قائل: قوله تعالى: { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } [النساء: 123]: خبر، فهو يقتضي ألا يجاوز عن مذنب، وقد عرفنا قبول التوبة، والصفح عن الخاطئين؟
فالجواب: من وجهين:
أحدهما: أن يحمل على من مات مُصِرًّا، ولم يتب؛ فإن التوبة تجب ما قبلها.
والثاني: أنه على إطلاقه، وهو الذي أختاره أنا، وأستدل بالنقل والمعنى: أما النقل؛ فإنه لما نزلت هذه الآية، قال أبو بكر: يا رسول الله! أو نجازى بكل ما نعمل؟ فقال: "ألست تمرض؟ ألست تحزن؟ أليس يصيبك اللأواء؟ فذلك ما تجزون به" 1 .
وأما المعنى، فإن المؤمن إذا تاب وندم، كان أسفه على ذنبه في كل وقت أقوى من كل عقوبة؛ فالويل لمن عرف مرارة الجزاء الدائم، ثم آثر لذة المعصية لحظة!